آني إرنو و العار
استفتحت الكاتبة الفرنسيه آني إرنو كتابها العار بإعتراف صادم ”حاول أبي قتل أمي ذات أحد من شهر حزيران. بعد الظهيرة.“
هذا الحدث الذي غيّر تركيب الكاتبة وأعاد تشكيلها من الداخل، لكنها لا تقف بوصف الحدث الصادم هنا بل تُكمل ما حدث بعد وهو ذهاب ثلاثتهم الى الريف والتنزه بالدراجات الهوائية و كأن الحادثة إبتلعت نفسها، ولم تحدث.
وصفت آني إرنو الموقف بشفافية خالية من التصوير التراجيدي و الدرامي كيف يبدأ يوم بمحاولة قتل وينتهي بالتنزه في حديقه؟ لعل هذا ما أزال العاطفه في تصويرها للمشهد.
إنتهى مساء ذالك الاحد من شهر حزيران حينما كانت في عمر الثانية عشر فقط، لكنه لم ينتهِ داخلها. حملت ذلك اليوم طيلة حياتها ككاتبة كصورة لطفلة منفصلة عنها، وانها لأول مرة تعترف لذاتها و لمذكراتها ان هذا الحدث جزء من حياتها لا تستطيع الهروب منه للابد.
مساء ذالك الاحد كان الشيء الحقيقي الوحيد الذي شهدته في حياتها رغم الحروب والاحداث العالمية التي عاشتها او تأثرت بتبعاتها هي و عائلتها.
هذا الحدث الذي شكّل العار في داخلها واخذ يكبر وينتشر مع مرور الزمن ويتداخل مع جميع مراحل حياتها، كأبنة لعائلة فقيره في مدينة صغيرة ريفية (أ) التي لا تذكر حتى إسمها كاملاً في الكتاب بسبب عار جلبته داخلها هذه المدينة المتدينه والمتشدده التي تمتلك فيها عائلتها مقهى/محل صغير تؤمن فيه عيشهم.
جزء من العار الذي تملّك آني إرنو هو انها لم تستطيع أنذاك ان تفهم السبب او ان تتخذ جانب من القصه، ان تضع اللوم على والداها او أن تُخطئ والدتها الغاضبه دائمًا ”لم يكن هناك ذنب ولا مذنب، فقط. كان علي منع والدي من قتل أمي و دخولِ السجن“
تفرّع هذا العار داخلها واصبح يلامس علاقتها مع ابيها الجامده مع العالم الخارجي في المدينة الكبيرة، عار الفقر و عار الجسد. حين عادت من رحلة دينيه مع والدها تم تسجيلهم فيها من قبل والدتها وهي رحلة منظمة للعائلات، و على الرغم من محدودية الرحله الا انها ايقظت بداخلها صورة اخرى للعالم، ان هناك عالم مثل الكتب والروايات حيث الفتيات قريبات من أبائهن وعائلات سعيدة، خالِ من الفقر، عالم منفصل عنهم كليًا.
عندما تعود بالذاكره لهذا اليوم بعد سنوات للكتابة عنه وتحليله تجد أنه أصبح رمادي بلا ملامح أخذت تفتش في الأرشيف والصحف عن ذلك اليوم عن عنوان او خبر يحمل تفاصيل الحادثه لتثبت و تؤكد لذاكرتها انه حقيقي.
”كنت دائما أرغب في تأليف كتب يستحيل عليّ الحديث عنها فيما بعد، كتب يستحيل معها تحمّل نظرة الآخر. لكن هل يمكن للكتابة أن تجلب لي عارًا في مستوى ذلك الذي أحسسته في عامي الثاني عشر؟“
عندما انهيت الكتاب لم أتوقف عن التحديق في آخر صفحة، بقلبٍ مثقل لا يسعني الا ان افكر في عارِ الشخصي، ابحث عنه احدده و أضع الخطوط تحته محاولة إكتشاف بدايته وإذ ستأتي نهايته.
لست بشجاعة آني إرنو لمشاركة هذا العار، لكنه قد يختزل طريقه من خلال كتاباتي إن لم اتوقف يوما ما عن الكتابه.
ولا اعلم ان كان الانسان يتوقف يوما ما عن حمل الشعور بالعار سواء كان شخصي او مجتمعي.




مقال معبر جداً، لعلي بدأت أفكر بأن اقرأ لها.